كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا وبما أن الأنبياء واقفون على هذا وقد أرشدوا الخلق إليه، فإذا دعوا لأنفسهم أو على أعدائهم كان من قبيل التعريض لا التصريح، لأنهم عالمون أن الكائن كائن في الأزل، وإن ما لم يكن لا يكون أبدا سواء دعوا أو لم يدعوا، سعوا أو لم يسعوا، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: علمه بحالي يغني عن سؤالي، راجع الآية 71 المارة، قالوا ولما صعدت دعوته هذه التي هي من إلهام اللّه وكان قضاء اللّه الأرلي معلقا على وجودها منه وقد صادقت الزمن المقدر لإنقاذ أيوب مما هو فيه، بعد أن بلغ غايته وطمى نهايته، ناداه مناد من السماء أن ارفع رأسك قد استجيب لك، فاركض الأرض برجلك، فرفسها فنبعت عين ماء فاغتسل منها فشفي مما كان فيه، وعاد عليه جماله أحسن مما كان، وقام صحيحا ورأى أن اللّه تعالى قد أعطاه مالا وولدا كأحسن ما كان أولا، ومشى وقعد على مكان مشرف، فعنّ لزوجته أن تراه حرصا عليه، فجاءت فلم تر أحدا، فصارت تبكي، فناداها من فوق ما يبكيك يا أمة اللّه؟ قالت بعلي، قال وهل تعرفينه؟ قالت لا يخفى على أحد وانه في حال صحته أشبه بك، فقال أنا هو، تأمريني أذبح لإبليس، ها إني دعوت اللّه فردّ علي ما ترين، ثم أمره اللّه أن يأخذ قبضة من النبات فيها مئة عود فضربها بها تحلة يمينه كما تقدم في الآية 44 من سورة ص المارة، ففعل، فرد عليها شبابها.
هذا، وما قيل إن أيوب عليه السلام حال مرضه دوّد وألقي على الزبل وغير ذلك من الترهات التي عنها تتحاشى ساحة الأنبياء، فهو كذب لا نصيب له من الصحة، لأن الأنبياء معصومون من العاهات المنفّرة، وإن الذي أصابه هو ما بين الجلد والعظم بحيث لم يظهر عليه ما ينفر الناس عنه، وما قيل من ان النفرة بسبب سلب ما كان عنده من النعم فقد يكون بالنسبة للناس.
وما قيل أيضا إن زوجته باعت شعرها وحلف عليها ذلك اليمين هو محض كذب وافتراء وإنما حلف عليها للسبب المار ذكره وهو تكليفه ذبح السخلة لإبليس، وما نقلناه في هذه القصة هو أصح ما ورد فيها ولو لم نعتمد على صحتها، إذ لا اعتماد إلا على ما يأتي في كتاب اللّه وسنة رسوله.
روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أيوب يغتسل عريانا خرّ عليه جواد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال بلى يا رب ولَكِن لا غنى عن بركتك».
هذا واختلف في معنى {وآتيناه أهله} إلخ، فقيل إن اللّه تعالى أحيى له أهله وأولاده بأعيانهم وزاده مثلهم، وقيل إنه آتاه أهله في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة، وقيل إن اللّه آتاه مثل أهله وماله وولده وأنعامه وبيوته ومثلها ثانيا واللّه أعلم. والآية تحتمل المعنيين واللّه قادر على كل شيء.
قال تعالى: {وَإِسْماعِيلَ} بن إبراهيم الذي استسلم لربه وانقاد لأمر أبيه ليذبحه تنفيذا لإرادة اللّه، راجع قصته في الآية 117 من الصافات المارة.
أما قصة وضعه في مكة وأمه فستأتي في الآية 123 من سورة البقرة، إن شاء اللّه {وَإِدْرِيسَ} ابن أخوخ، وقد مرت قصته في الآية 57 من سورة مريم في ج، وفيها كيفية رفعه إلى السماء {وَذَا الْكِفْلِ} الحظ والنصيب واسمه الياس وهو أحد الأنبياء الخمس الذين تسموا باسمين بالقرآن العظيم، هذا وإسرائيل ويعقوب، وعيسى والمسيح، ويونس وذو النون، ومحمد وأحمد، عليهم الصلاة والسلام، وهو ابن ياسين بن فنحاص ابن العيران بن هرون أخي موسى بن عمران عليهم الصلاة والسلام، راجع الآية 143 من سورة البقرة ج 3 بشأن ذى الكفل والآيات من 124 إلى 132 من سورة الصافات المارة.
قالوا إنه لما كبر اليسع قال إني استخلف رجلا على الناس ليعمل عليهم في حياتي على أن يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي ولا يغضب، فقال إلياس أنا فرده أولا، ثم قال مثلها في اليوم الثاني فلم يتعهد بهذه الشروط غيره، فاستخلفه ووفى بعهده ولقبه بذي الكفل لأنه وفى ما تكفل به.
وما قيل ليس بنبي ينفيه قوله تعالى {كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} 85 على ما ابتليناهم به راجع قصته مفصلة في الآيات المذكورة أعلاه من سورة الصافات المارة {وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} 86 أي إسماعيل وإدريس وذا الكفل.
وقد ذكر اللّه تعالى هؤلاء الأنبياء الممتحنين بأنواع البلاء بسياق قصة أيوب عليهم الصلاة والسلام لأنهم صبروا على ما امتحنوا به كما ذكر في قصصهم.
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِبًا} من قومه لأجل ربه واسمه يونس واسم الحوت الذي ابتلعه نون فسمي ذا النون وصاحب الحوت {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} بفتح أول نقدر وتخفيفه وقرىء بضم أوله وتشديده من التقدير وعلى الأول من القدر وهو التضييق وهي القراءة المشهورة أي ظن أنا لا نضيق عليه بلزوم الإقامة مع قومه، ولذلك تركهم وذهب، راجع قصته في الآية 123 من الصافات المارة أيضا، {فَنادى فِي الظُّلُماتِ} ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} 87 بمفارقتي قومي دون أمرك، فلا تؤاخذني يا رب على ما وقع مني، ولم يقل نجني أو خلّصني أو غير ذلك لما مر آنفا من أن الأنبياء يفوضون أمرهم لربهم {فَاسْتَجَبْنا لَهُ} لأن قوله هذا تعريض لدعائنا وتنويه بالالتجاء إلينا {وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ} الذي لحقه في بطن الحوت {وَكَذلِكَ} مثل هذه الإجابة {نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} 88 بنا مما يهمهم، ولا يوجد في هذه الآية بما يتمسك به من قال بوقوع الذنب من الأنبياء بعد رسالتهم، لأنه عليه السلام لم يذهب مغاضبا من ربه كما قاله بعضهم، حاشاه، وإنما ذهب مغاضبا من قومه لأجل ربه، وإن ظنّه بعدم التضييق عليه لوثوقه بربه، ولأنه لم يظن أنه أذنب معه بترك قومه، بل كان يظن أنه مخير بين الإقامة معهم والخروج من بينهم عند عدم قبولهم دعوته، لذلك فإن فعله هذا لا يستوجب الذنب لو كان من سائر البشر، أو أن ظنه أن اللّه لم يقدر عليه شيئا، وهذا على القراءة بالتشديد أي لن نقدر عليه عقوبته، لتركه قومه، والمعنيان متقاربان، إلا أن القراءة بالتخفيف وتفسيرها على ما ذكرنا تبعا لغيرنا أولى وأنسب بالمقام، لأن نقدر بمعنى نضيق شائع، ومثله في القرآن كثير، قال تعالى: {اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ويَقْدِرُ} الآية 43 من سورة الروم الآتية، وجاء في الآية 7 من سورة الطارق: {ومن قدر عليه رزقه} وفي الآية 11من سورة الفجر: {فقدر عليه رزقه} وغيرها كثير وكلها بمعنى التضييق، وعليه فلم يبق حجة لمن يقول إن نقدر لا تأتي إلا بمعنى القدرة، لأنا إذا جرينا على هذا المعنى فلا يجوز نسبته إلى آحاد الناس، فكيف إلى نبي اللّه؟ وقد تردد في هذه معاوية بن أبي سفيان فسأل عنها ابن عباس رضي اللّه عنهما فقال له إنها من القدر لا من القدرة.
وفيها قراءات أخرى ومعان بنسبتها ضربنا عنها صفحا لأنا ذكرنا أصح ما فيها، واللّه أعلم.
أما ما حكى عنه بقوله: {إني كنت من الظالمين} يريد نفسه لعدم انتظاره أمر ربه قومه وفي أمر بقائه أو خروجه عنهم لا لشيء آخر، على أن ابن عباس قال إن هذه الحادثة كانت قبل النبوة والرسالة مستدلا بقوله تعالى بعد ذكر خروجه من بطن الحوت {وأرسلنا إلى مائة ألف أو يزيدون} الآية 145 من الصافات المارة، مما يدل على أنه قبل النبوة والرسالة وصححه الخازن.
ومن قال إنه بعد النبوة وهو ما ذهبت إليه في تفسيري هذا استدل بقوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الآيتين 139/ 140 من الصافات أيضا، فالجواب عنه ما تقدم، إذ تفيد هذه الآية صراحة أنه مرسل إليهم قبل هروبه بالفلك، والاستدلال بها أقوى من الاستدلال بتلك، لأن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا، تأمل.
قوله تعالى {وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ} قائلا في ندائه {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا} بلا ولد يرثني {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ} 89 لي إن لم ترزقني وارثا، وإن رزقني فأنت خير الوارثين له، لأنك ترت الأرض ومن عليها والسماء وما فيها، وأنت الذي لا وارث في الحقيقة غيرك لمن تحت الأرض وما عليها، ومن في السماء وما فوقها {فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ} بأن جعلناها صالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عجوزا عقيما، فولدته كأنها حدثة {إِنَّهُمْ كانُوا} أولئك الأنبياء {يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ} إلى مخلوقاتنا طلبا لخيرنا {وَيَدْعُونَنا رَغَبًا} بنا ورهبا {وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ} 90 مخبتين لعظمتنا، خاضعين لهيبتا، فعلى العاقل أن يستديم الخوف حالة الصحة، والرجاء حالة المرض، إذ يقول صلى الله عليه وسلم لرجل دخل عليه وهو في حالة النزع: كيف تجدك؟ قال أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي، فقال صلى الله عليه وسلم ما اجتمعا في عبد في هذا الموطن إلا أعطاه ما رجا وآمنه مما يخاف.
ومعنى الآية رغبا بذات اللّه ورجاء عفوه، وطمعا برحمته وخوفا من عذابه، ولهذا يقول اللّه تعالى لتحليهم بتلك الصفات الأربع العظيمة: نجيناهم من السوء وأجبنا دعاءهم ونصرناهم على أعدائهم.
واذكر يا سيد الرسل لقومك أيضا بسياق ذكر هؤلاء الصالحين من الرجال المرأة الطاهرة الكاملة الصالحة البتول، وهو معنى {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} من التزوج بالحلال السيدة مريم بنت عمران {فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا} المراد من الروح هنا معناه المعروف والإضافة إلى ضميره تعالى للتشريف، ونفخ الروح عبارة عن الإحياء لعيسى عليه السلام الذي قدر اللّه تكوينه في بطنها، وليس هناك نفخ حقيقة، ولهذا صح أن يقال نفخنا فيها، لأن ما يكون فيما في الشيء يكون فيه، فلا يلزم أن يكون المعنى أحييناها أي مريم، كما قاله بعض المفسرين، وليس هذا بمراد، وهو كما يقول الزّمار نفخت في بيت فلان وهو قد نفخ في المزمار في بيته، وقدمنا القصة ومعنى النفخ في الآية 24 من سورة مريم، وأوضحنا هناك معنى الروح أيضا فراجعه، ولبحثه صلة في الآية الأخيرة من سورة التحريم فراجعه، {وَجَعَلْناها وَابنها آيَةً لِلْعالَمِينَ} 91 على كمال قدرتنا إذ خلفناه من غير أب، ولم يقل آيتين كما في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ} الآية 12 من سورة الإسراء، لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل، أي وجعلنا شأنها وأمرها آية.
أخبر اللّه تعالى في هذه الآيات وأمثالها من القرآن العظيم وهو أصدق المخبرين بأن مريم عليها السلام محصنة من الحلال، والتي تحصن نفسها من الحلال لا يتصور أن لا تحصنه من الحرام، قاتل اللّه اللئام الذين يفترون عليها ويبهتونها، تنزهت وتبرأت عما يقول الظالمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون {إِنَّ هذِهِ} ملة الإسلام وأمة الإيمان {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً} وملة واحدة وهي ملة جميع الأنبياء ودينهم، لا دين غيره اختاره اللّه لكم أيها الناس لتمسكوا به وتعبدوا اللّه وحده وهي التي أدعوكم إليها لتعضوا عليها بالنواجذ، لأن جميع الكتب نازلة في شأنها، والأنبياء كلهم مبعوثون للدعوة إليها ومتفقون عليها.
قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سَمَاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} الآية الأخيرة من سورة الحج {وَأَنَا رَبُّكُمْ} واحد لا إله غيري {فَاعْبُدُونِ} 92 وحدي لا تشركوا بي أحدا ولا شيئا، وهذا الخطاب للناس كافة لا يختص به واحد دون آخر.
قال تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي البعداء عن الحق الذين لم يجيبوا الدعوة جعلوا الدين الواحد قطعا ووزعوه بينهم كما يتوزع الجماعة الشيء الواحد، فاختلفوا فيه وصاروا أحزابا. وسياق الكلام يفهم على أن المعنى وتقطعتم، إلا أن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أوجب ذلك، وفي تخصيص لفظ الرب ترجيح جانب الرحمة بهم وإيذان بأنه يدعوهم إلى عبادته بلسان الترغيب والبسط، لأنه رب كل مربوب، وهو المقيض على عباده جوده ولطفه.
ثم انه توعدهم على ذلك التفريق الذي ابتدعوه بقوله: {كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ} 93 لا يفلت منهم أحد ولا مرجع له غيري، وإذ ذاك أجازي كلّا بما يستحقه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ} في دنياه {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} قيد العمل بالإيمان، لأن الكافر لا ينفعه عمله الطيب في الآخرة لمكافأته عليه في الدنيا {فَلا كُفْرانَ} حرمان وبطلان ولا جحود {لِسَعْيِهِ} الذي سعاه في الدنيا كيف {وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ} 94 فلا يضيع له شيئا من عمله الحسن ولو مثقال ذرة بل نعطيه أضعافها من أحسن ما يستحقه طبقا لقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} الآية 97 من سورة النحل المارة {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ} ممتنع على أهل قرية {أَهْلَكِناها} بحسب واقتضاء حكمنا وقضائنا الأزلي لغاية طغيانهم ونهاية بغيهم وتجبرهم {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} 95 من الكفر إلى الإيمان البتة. والجملة في تأويل مصدر خبر وحرام أي رجوعهم إلينا وتوبتهم حرام.
و{لا} هنا مثلها في قوله تعالى: {أَلَّا تَسْجُدَ} الآية 12 من سورة الأعراف، وهذا على قراءة فتح همزة أنهم وهو الأفصح، وعلى كسرها يكون معناها التعليل، والمعنيان متقاربان.
وقيل إن حراما بمعنى واجب، وعليه قول الخنساء:
وان حراما لا أرى الدهر باكيا ** على شجوة إلا بكيت على صخر

وقد مشى بعض المفسرين في قوله تعالى: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية 151 من سورة الأنعام المارة، أي ما أوجب، لأن ترك الشرك واجب، وعلى هذا قال الحسن ومجاهد لا يرجعون أي لا يتوبون عن الشرك، وقال قتادة ومقاتل لا يرجعون إلى الدنيا، وقال غيرهم لا يرجعون إلى الجزاء، إلا أنه على هذا المعنى الأخير يكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد، وأنه يجرى على ذلك يوم القيامة، وفيه ما فيه، والأول أولى، واللّه أعلم، فليحرر.
قال تعالى: {حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} أي سدهما المشار إليه في الآية 99 من سورة الكهف المارة {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} 96 سراعا والحدب كل ما ارتفع ونشر في الأرض روى مسلم عن حذيفة بن أسيد العفاري قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، قال ما تذكرون؟ قالوا تذكر الساعة، قال إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج وماجوج، وثلاث خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
وفي رواية «ودابة الأرض»، فتكون مع ذكرها عشرا.
قال تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} لقيام الساعة {فَإِذا} الفاء للمفاجأة واقعة في جواب إذا {هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فلا تكاد تطرف من هول ما ترى في ذلك اليوم، يقولون بلسان واحد {يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} اليوم لم نقدره في الدنيا على هذه الحالة الفظيعة، ثم انتقلوا عن هذا القول فقالوا {بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ} 97 أنفسنا لعدم اصغائنا إلى الذين خوفونا منه ولم نطع الرسل برفض الكفر وإلزام التوحيد، ثم يقال لهم {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ} وقود {جَهَنَّمَ} وأصل الحصب الرمي والوقود يرمى بالنار رميا بل يقذف قذفا في جهنم إهانة لهم، ولهذا عبر عنه بالحصب {أَنْتُمْ لَها} أيها الكفرة {وارِدُونَ} 98 ورود دخول، راجع الآية 98 من سورة هود المارة {لَوْ كانَ هؤُلاءِ} الأوثان كما زعم عابدوها {آلِهَةً} تعبد وتشفع لهم مما حل بهم {ما وَرَدُوها} الآن ولما دخلوا فيها وعذبوا في جهنم بسبب عبادتها،
ولمّا كانت ليست بآلهة ولا تستحق العبادة يقول اللّه تعالى {وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ} 99 العابدون والمعبودون {لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ} هو خروج النفس بشدة حتى يظهر له صوت عال من ألم العذاب {وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ} 100 شيئا مما يقال لهم لانشغالهم بأنفسهم.